لبنان بين الغلاء والفقر: بلدٌ يعيش بأسعار الأغنياء وجيوب الفقراء
لبنان بين الغلاء والفقر: بلدٌ يعيش بأسعار الأغنياء وجيوب الفقراء
في بلدٍ كان يُعرف يوماً بأنه “سويسرا الشرق”، أصبح اللبناني اليوم يحسب ثمن ربطة الخبز قبل أن يشتريها.
أسعارٌ توازي عواصم أوروبا، ودخلٌ بالكاد يكفي لأسبوعٍ واحد، هذه المفارقة تختصر مأساة العيش في لبنان عام 2025، حيث الغلاء لم يعد أزمة مؤقتة، بل أسلوب حياةٍ يومي يثقل كاهل العائلات ويقضم الأمل.
أزمة المعيشة في لبنان: الغلاء بلا حدود
منذ الانهيار المالي في خريف 2019، يعيش اللبنانيون تحت وطأة تضخّمٍ يلتهم الأجور والمدّخرات.
الأزمة لم تعد محصورة بسعر الصرف، بل تضاعفت مع “دولرة” الاقتصاد، ما جعل الأسعار ترتفع بوتيرةٍ لا تلحقها المداخيل.
ومع غياب أي سياسة حكومية تربط الأجور بمؤشرات الأسعار، تآكلت القدرة الشرائية لمعظم اللبنانيين حتى باتت أبسط الحاجات اليومية رفاهية.
تقرير موقع Numbeo العالمي وضع لبنان في المرتبة الـ70 عالميّاً في كلفة المعيشة منتصف عام 2025، فيما جاءت بيروت السادسة شرق أوسطيّاً من حيث الغلاء.
أما متوسط الدخل السنوي للفرد فيبلغ نحو 6441 دولاراً فقط، مقابل 492 دولاراً شهرياً لتأمين “سلة غذاء للبقاء” لعائلة من خمسة أفراد، بحسب بيانات برنامج الأغذية العالمي (WFP).
مقارنة إقليمية: من الأردن إلى الخليج… أين يقف لبنان؟
في الأردن، ورغم التحديات الاقتصادية، يبقى الحد الأدنى للأجور عند 360 دولاراً وسط استقرار نقدي وتضخّم لا يتعدّى 1%. هناك، تتناسب كلفة الحياة مع الدخل، ما يجعل المعيشة ممكنة وإن بصعوبة.
أما في مصر، فالوضع مختلف تماماً: كلفة المعيشة أدنى بنحو 60 إلى 65% من لبنان، رغم ارتفاع التضخّم وانخفاض قيمة الجنيه. المواطن المصري يواجه الغلاء، لكنه لا يعيش الانفصام بين الأسعار والمداخيل الذي يعيشه اللبناني يومياً.
وفي المقابل، تُعدّ دول الخليج أغلى عربياً من حيث الأسعار، إلا أن ارتفاع الدخل يعوّض ذلك. فالموظف في دبي أو الدوحة قد يدفع ثمن وجبة مماثل لما يدفعه اللبناني، لكن دخله الشهري يجعله بالكاد يشعر بهذه الكلفة.
لبنان: بلد الغلاء الدائم والدخل المفقود
أزمة الأسعار في لبنان ليست مجرّد انعكاسٍ للتضخّم العالمي، بل نتاج غياب الدولة وضعف الرقابة واحتكار القلّة.
الأسواق فوضى، والرواتب مجمّدة، والطبقة الوسطى تتلاشى يوماً بعد يوم.
وما يزيد الطين بلّة أن الإصلاح الضريبي متعثر، فلا عدالة في توزيع الأعباء، ولا حماية للمستهلك من جشع بعض التجار.
النتيجة؟ لبنان يتحوّل تدريجياً إلى اقتصادٍ طبقي: فئة صغيرة بالدولار تعيش برفاهٍ مبالغ فيه، وأكثريّة تتقاضى بالليرة وتحاول النجاة يوماً بيوم.
أملٌ في قلب الأزمة
ورغم هذا المشهد القاتم، لا يزال اللبناني يُدهش العالم بقدرته على التكيّف.
من العامل الذي ابتكر مهنة جديدة على الإنترنت، إلى الأم التي تدير ميزانية منزلها بدقّة المحاسب، إلى الشاب الذي يحوّل أزمته إلى فرصة في عالم التكنولوجيا… كلها قصص تُثبت أن لبنان لا يُهزم بسهولة.
لكن الصمود وحده لا يكفي.
المطلوب استراتيجية وطنية شاملة تربط الأجور بمؤشر غلاء المعيشة، وتكافح الاحتكار، وتعيد الثقة بالاقتصاد.
فحين تُصبح المعيشة ممكنة، يُستعاد الأمل… ويعود للبنان نبضه الحقيقي.
كتبه: أسعد نمور
نُشر في: تشرين الثاني 2025
المصدر: تحليل مستند إلى بيانات Numbeo، برنامج الأغذية العالمي (WFP)، وتقارير اقتصادية من BBC وSky News Arabia وMTV Lebanon.
