في رواية “الطاعون”، للكاتب الفرنسي-الجزائري المبدع الراحل ألبير كامو، يصف لنا كامو من خلال حبكة قصصية رائعة، كيف أن فأرا محتقرا في مدينة “وهران” الجزائرية، استطاع وهو الكائن الضعيف الذي من الممكن سحقه بكعب القدم، أن ينشر داء الطاعون في كل المدينة، ويقضي في النهاية على معظم سكانها.
الطائفية التي تجتاح منطقتنا اليوم لا يُمكن أن تُقارن إلا بفأر كامو هذا، وبجرثومة الطاعون التي تحملها البراغيث التي تعيش في طيات جسد ذاك الفأر. فأر ينتقل ناشرا مرضه من زاوية إلى زاوية في كل المدينة.
حتى إن البعوضة من الممكن أن تقضي على جماعات بأسرها وهي تحمل جرثومة الملاريا، وهي الحشرة الضئيلة المحتقرة. كذلك هي الطائفية حين
يُستهان بأمرها، فتصبح جزءا من ألفاظ يتلفظ بها البعض دون إدراك لمدى خطورتها، حتى تستشري وتصبح مكوّنا لثقافة مشوهة مريضة تورّد المجتمعات موارد الهلاك، وتجعل من الشعوب قبائل تتقاتل وتتذابح وكأننا عدنا الى القرون الوسطى، ألى نقطة ما تحت الصفر في الحضارة والمشاعر الانسانية والموروثات الثقافية.
نقول هذا الكلام في مناسبة ما نسمعه ونشاهده هذه الأيام في مجتمعاتنا، في مجتمعات كانت تعتبر نموذجا للعيش المشترك. نراها اليوم تنحدر بسرعة وكأن طاعون الطائفية فتك بها الى حدّ القتل.
خطيرة هي البيئة التي غدونا اليوم في حضنها، وخطير هو فقدان المناعة الذي أصابنا إزاء طاعون الطائفية المستشرية، والأخطر أن ما نراه اليوم يتمدّد من العراق الى سوريا الى لبنان الى اليمن الى البحرين الى السعودية قد لا يكون أقل تدميرا وهلاكاً من “فأر كامو”…