في أيلول تفتح المدارس أبوابها. إدارات المدارس الخاصة مدعوّة بلا لفّ ولا دوران إلى عدم زيادة على الأقساط المدرسية، لأن الأهل لا يتحمّلون أيّ زيادة.
ينتمي الأهل، في أكثريتهم الساحقة، إلى ما كان يسمّى في أيام العزّ بـ”الطبقة المتوسطة”. رحمة الله على تلك الطبقة التي أصبحت أثراً بعد عين. اليوم، صار هؤلاء الأهل محشورين في طبقة تمثّل غالبية المواطنين: إنها الطبقة الفقيرة.
لأسباب موضوعية وذاتية شتى، يفضّل أهل هذه الطبقة، في أكثريتهم، إرسال أولادهم إلى مدارس خاصة. أحد هذه الأسباب، أن المدرسة الرسمية التي كانت في أيام العزّ مفخرة تربوية وأكاديمية ووطنية، لم تعد كذلك في زمننا الحاضر. النقاش في هذه المسألة يحتاج إلى الكثير من الدقة والخبرة والروية والصدق والصراحة والموضوعية. لكن الحقيقة جارحة. بل جارحة جداً. بل أكثر.
المهم أن قسماً كبيراً من الأهالي يرسل أولاده إلى المدارس الخاصة. المهم أيضاً بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب، أن تُصدر الدولة قراراً تربوياً “ينقذ” الأهل مما يُحضَّر لهم من زيادة أقساط، لأن “بعض” المعنيين في المدارس الخاصة يُعِدّ العدّة لإقرار مثل هذه الزيادة.
لستُ سادياً، ولا أتلذّذ في “التنكيل” بإدارات المدارس التي ينوء بعضها بالتأكيد تحت الأعباء الثقيلة. فأنا أعرف مدارس خاصة ممتازة جداً، صحيح أنها قليلة، لكن لم يعد في مقدورها أن تواصل مهمتها لأنها تراعي أوضاع الأهل المادية من جهة، وتكرّم أساتذتها بإعطائهم حقوقهم كاملة. تحية مني إلى هذه المدارس الممتازة و… النادرة.
لستُ مؤهلاً لإيجاد حلول لمثل هذه المدارس، ولا لغيرها. لكني إذا كنتُ غير مؤهل لوضع الحلول لمشكلات كهذه، فذلك لا يعفيني البتة من مسؤوليتي المهنية الكبرى والأساسية والمطلقة: أن يكون حبري على الدوام مضيئاً ليبلسم ضمير الفقراء والمعذبين، وليكون سنداً لأهل الأمل والحرية والحقّ والمساواة مطلقاً.
لهذا السبب، أدعو على الفور إلى لجم “اليد” التي “توصي” بالزيادة على الأقساط. هذه “اليد” معروفة، وثمة علناً وفي الأروقة مَن يقول إن ضميرها مبلّط بالإسمنت المسلّح، وليس عندها من القيم ما يدعوها إلى التفكير في حلول أخرى غير الزيادات على الأقساط. هؤلاء قال عنهم عيسى بن مريم إنهم “أشبه بالقبور المكلسة، يبدو ظاهرها جميلاً، وأما داخلها فممتلئ من عظام الموتى وكل نجاسة” (إنجيل متى، الإصحاح 23).
للأسف الشديد، أصبح “البزنس” بديلاً من القيم الدينية والأخلاقية والتربوية عند الكثيرين من المعنيين في الشأن التربوي. مَن يريد أن يجعل المدرسة الخاصة مؤسسة لـ”البزنس” الخالص، فليُمنَع منعاً “رسمياً” من تحقيق غايته هذه. وليمنعه الأهل، ولجان الأهل من ذلك. وليمنعه… المعلّمون. مجلس نقابتهم الجديد. الآن. فوراً. قبل فوات الأوان.