main-banner

كيف وقعت الممرّضة سوسن في فخّ المحظور؟

بدأت القصة يوم شعرت سوسن، الممرّضة المثابرة في عملها، بآلامٍ حادّة في عظام رجليها. كانت قواها تُستنفز بصمت، حتّى أن الطاقم الطبي بأغلبيته في المستشفى، لاحظ أنها ليست على ما يرام. الأوجاع التي عانتها تطلبت منها اللجوء الى إختصاصيٍّ يشخّص حالتها، وهكذا حصل. النتيجة تلخّصت بضرورة إعطائها دوريًّا حقن “المورفين” بغية التخفيف من حدّة الألم. ومن هنا كانت الإنطلاقة. علاجٌ مؤقّت، تحوّل كابوسًا متعدّد الفصول. في ذلك اليوم الذي غُرزت الحقنة في جسدها، صار للممرّضة الغامضة منفذٌ فعّال نحو الهروب من مشاكلها الحياتيّة والصحيّة في آن. الأفيون خدّر كلّ شيءٍ فيها وكأنها انتصرت على العالم القاتم لساعاتٍ، قبل أن تعود لتبحث عن حقنةٍ جديدة تنسيها نفسها. ما هو سرّ سوسن؟

الوجع يحتاج مزيدًا من الأفيون
إنّه وجع الرجلين عينهتكاد فصوله لا تنتهي، ما يحتّم على سوسن اللجوء الى الطبيب المنقذ. تقول: “كنت أشعر بأن الآلام في رجليّ لا تتوقّف رغم المواظبة علىأخذ الحقن بوتيرةٍ دوريّة، ما دفعني الى زيارة الطبيب الذي رأى ضرورة زيادة جرعة المورفين في كلّ حقنة. تكرّر هذا الأمر مرّاتٍ عديدة، وكانت كميّة المخدّر تزاد مع كلّ زيارة، حتّى بتّ لا أقوى على العيش دون مخدّر”. وتضيف: “المفارقة تتمثّل في أن حقن المورفين كانت تتوغّل أمام عينيّ في المستشفى في كلّ يوم، ولم أكن أقوى على مقاومتها في ظلّ مشاكل عائليّة قاهرة كنت أواجهها. بدأت أسرق الحقن من دون إرادةٍ فعليّة في ذلك، وأحقنها في جسدي العليل، قبل أن أستبدلها بالماء وأعطيها للمرضى”.

“إستعبدت نفسي”
“مصير المرضى الصحيّ أم مصيري الذي يتوق الى الهروب ؟” سؤالٌ طالما طرحته الممرّضة الغامضة على نفسها، قبل إقدامها على استبدال محتوى الحقن. وكانت النتيجة دائماً لصالح المخدّر الذي استعبد كيانها. تشير سوسن الى ان “اللحظات التي كنت أعيشها أصابتني بالضياع التام. لم أكن أعلم ماذا أفعل، ولماذا أقدم على هذه الأفعال، كلّ ما كان يترأى أمامي هو أنني بحاجةٍ الى وخز جلدي والإستمتاع بمحتوى تلك المادّة التي تشعرني بالرّاحة”. وتعتبر أن “لا أحد من الطاقم الطبّي كان يلاحظ فعلتي، لأنني كنت أتقن استبدالها بسرعة وبلا إحساسٍ بالذنب، نظراً لتأثير المخدّرات. استمرّت الحال على هذا المنوال، حتّى بات كثيرون يلاحظون تغيّبي في أوقاتٍ معيّنة”. وتضيف: “كنت حينها غارقةً في المرحاض، منتشيةٌ الى أبعد حدود، حتى أتمالك نفسي من جديد وأعود الى مهماتي. لكن، وعلى غير عادة، فوجئت يوماً بباب الحمّام يفتح عليّ، حيث كشف المستور وتبدّل كلّ شيء”.

لا أمل سوى العلاج
كان لا بدّ لها أن تلجأ الى مساعدٍ يساهم في تخطّي محنتها. “جاد شبيبة ضدّ المخدّرات” كانت وجهة الإنقاذ المثالية التي غيّرت حياة سوسن وأعادت إحياء شعلة الأمل في داخلها. تقول: “لولا جاد لكنت اليوم أشبه بمجرمةٍ على قارعة الطريق. الغموض الذي اعتراني تمثّل بمشاكل عائليّة جمّة واجهتني بعد موت والدي وزوجي، إذأضحيت المعيلة الوحيدة لأولادي الأربعة، إضافةً الى خلافات عديدة واجهتني مع أهل زوجي بعد موته، والذين رفضوا مساعدتي. لم أتوقّع أن حقنةً واحدة ستحوّل حياتي الى جحيم، لكن خواتيم الأمان وجّهت بوصلتي في النهاية الى برّ الأمان عبر خضوعي الى اعادة التأهيل”.

خطورة المورفين
تستعمل مادة المورفين كمسكّن قويّ للحدّ من الآلام الحادّة. وتعتبر الصيدليّة الدكتورة جوانا فرنسيس ان “أبر الأفيون تستخدم عادةً في المجالات الطبيّة الخاصّة بالعظام والسرطانات، الّا أن وجهة استعمالها دقيقة للغاية، لأنها قد تورّط المريض في مسألة الإدمان عليها في حال زادت الجرعة عن الحدّ الطبيعي وأخذت بوتيرةٍ مستمرّة”. وتشير الى ان “إعتياد الجسم على هذه المادّة شبيه بإعتياد الإنسان على المسكّنات لمعالجة صداع الرأس. إلا ان مشكلة المورفين تكمن في أنه علاج مؤقّت وغير فعّال على الأمد البعيد، حيث سيشعر المريض بعد فترة وجيزة، أنه بحاجة الى المزيد من الجرع”.
وعن الأعراض الجانبيّة التي ينتجها الإستخدام المفرط للمورفين على جسم الإنسان، تشير الى أن “السلبيات تتمثّل بالقلق الدائم والغثيان إضافةً الى التأثير السلبي على عمليّة التنفّس واضطرابات في ضغط الدم وعدم استقرار في دقّات القلب. كما تصل الخطورة الى حدود الوقوع في مرحلة الكوما. أما التأثير على الشكل الخارجي، فيتمثّل بصغرٍ في حجم بؤبؤ العين”.

وأما في حال توقّف المريض فجأةً عن استخدام هذه المادّة، في حين أنه كان يستخدمها بطريقةٍ دوريّة، فإن ذلك “سيضاعف إمكانيّة إصابته بأعراضٍ جانبيّة مختلفة، تظهر سماتها على الجسم الخارجي وتتمثّل بإرتفاع حدّة التعرّق و زيادةعمليّة إفراز المياه من الجسم، إضافةً الى اتساع في حدقة العين وتفعيل مجرى الدمع ما يحتّم إفراز الكثير من الدموع”. وتضيف: “يتوجّب على المريض في هذه الحالة، تقليل كميّة جرعة المورفين التي يأخذها قبل التخلي عن استخدامها نهائيًا”.

تأثير المشاكل النفسيّة
ان ترافق الأوضاع الصحيّة غير المستقرّة مع أزماتٍ نفسيّة مقلقة يضاعف إمكان الإدمان على المسكّنات القويّة ومنها حقن المورفين. تشير فرنسيس الى أن “مظاهر اليأس والحزن والقلق، والتي تعبّر عن الحالة النفسيّة غير المستقّرة التي يعانيها المريض، تلعب دور الوسيط أيضاً بين المورفين والجسم، حيث يشعر الإنسان أنها طريقٌ فعّال للهروب من المشاكل التي قد يواجهها، ما يشبه عمليّة الإدمان على الممنوعات. هذا ما يستوجب ضرورة ترافق العلاجات الصحيّة مع معاينة نفسيّة لحالة المريض”.

سوسن شفيت قبل فوات الأوان. “جاد شبيبة ضدّ المخدرات” كانت بمثابة الحاضن الذي أعاد توجيه مسار الممرّضة الحياتيّ والمهنيّ في الطريق الصحيح. العيش في إطار واقعٍ محبط يجسّد ضعفاً. والإستسلام لذلك الواقع يعني هزيمة. كان على سوسن أن تقاوم الحظّ السيء بالإرادة. الّا أنها اليوم تغلّبت عليه بالفعل نفسه. أما الدرس الذي تلقنته من التجربة المرّة، فكان كبيرًا: “الوقوع في فخّ المخدّرات لا ينتج ىسوى المآسي”.

(Al- Nahar)

logo

All Rights Reserved 2022 Loubnaniyoun

 | 
 |