main-banner

رسالة من مغتربة لبنانية الى أمّها في عيد الأم. …

يلعبُ صغيري في أرجاء المنزل و يزرعُ في كل مكان أجواء الفرح و السعادة. أتأمّلُه فأعود صغيرة لا تريد مغادرة أحضان والدتها وتبكي في كل مرة تغيب أمّها عن عينيها لشدة تعلقها بها…

نظرتُ من شباكي, فأطلّت عليّ شوارع كوتونو الأفريقية بحرّها الشديد. هنا لا ربيع يُنتظر ولا طبيعة تتجدد فيها فصول. تجتاحني عاصفة شوق مريرة, فالربيع قد حلّ في وطني وعاد عيد الأم مجددا و انا بعيدة…

ترددت كثيرا قبل أن أحمل قلمي و أرتّب أفكاري المبعثرة لأنظمها جملا في رسالة اليك يا أمي. انها المرة الأولى التي أعايدك فيها عن طريق الكتابة, شعرت لوهلة أنني قادرة على المجازفة في صوغ العبارات لعلّ رسالتي تصل الى امرأة علّمتني أن أكون أمّا, وزرعت في نفسي بذور التضحية وبذل الذات من أجل أولادها…

غريبةٌ هي الحياة, وكم تجبرنا في كثير من الأوقات أن نكتم أحاسيسنا و أن نمضي و لو بخطى ثقيلة في مواجهة القدر… شاءت الظروف ان تبعدنا المسافات, وكم أحن الى جلساتنا الطويلة وأيام مرت بسرعة لم أعرف قيمتها الا لحظة الفراق… أعرف يا أمي أن وسائل التواصل الحديثة بالصوت و الصورة قد تروي عطشنا ولكني أفتقدك أكثر, في كل لحظة ضعف أو موجة غضب كانت تزيل بمجرد ضمك لي و تقبيلي… اليوم أنا أصبحت أمّا و تلقيت أول هدية من صغيري. اعذريني يا أمي, ولكنني لم أقدر قيمتك الا يوم صرت أمّا, وفهمت جيدا سبب خوفك علي طوال كل تلك السنين. أتذكرك دائما و تخطرين على بالي في كل مرة أسهر على ولدي في مرضه و في كل مرحلة من مراحل نشأته. كم أنت عظيمة يا أمي, وكم أشعر بثقل ذلك الجبل الذي حملتيه خلال تربيتك لنا. أعذريني على كل أغلاطي طيشي وعلى هفوات مرت بقصد او بدون قصد…

أتساءل في نفسي ما هو سر نضوجي, هل هي الغربة عن وطني أم الغربة عن أمي؟ فيجيبني القدر بسرعة: هو البعد عن الأم لأنها وطن… أعايدك يا أمي, ودموعي تلامس أوراقي لتختلط مع الحبر وترسم وجهك الجميل… أسارع الى ضم الأوراق لعل صورتك تُعيد اليّ الأمان في بلد تقلّ فيه العواطف.

حفظك الله و أدامك لنا, و كل عام وأنت أجمل و أنقى أم… الى اللقاء

بقلم نانسي الحاج

logo

All Rights Reserved 2022 Loubnaniyoun

 | 
 |