“النهار” تفحص بعض الشواطىء اللبنانية في موسم السباحة… مياه الصرف الصحي من البحر إلى مائدتنا!
هاجس نظافة مياه البحر يؤرق اللبنانيين مع بداية فصل الصيف، فيتساءلون عن الشواطىء النظيفة للسباحة. وعلى الرغم من أنَّ التلوث ليس بجديد في لبنان، تفاقم عوامل كثيرة الوضع، من بينها أخيراً أزمة النفايات والمطامر، فيما يغيب التحرك الرسمي الجدي والحلول الجذرية للأزمة البيئية الصحية.
حمَّل الخبراء في مؤتمر المحيطات لبنان مسؤولية تلويث البحر الأبيض المتوسط لأسباب عدَّة، من بينها رمي النفايات في البحر، فيما تتغاضى الحكومة اللبنانية عن حلّ هذه الأزمة. ويظهر جلياً تلوّث مياه البحر، فمجاري الصرف الصحي الممتدة والروائح المنبعثة من بعض المناطق المحيطة بالشواطىء تؤكد أنَّ الواقع بات مأزوماً، بما يُعرِّض صحة اللبنانيين وحياتهم لكل أنواع التلوث. لذلك، ارتأت “النهار” أخذ هذا الملف على عاتقها، فتوجه الزملاء الصحافيون في مناطق لبنانية مختلفة إلى بعض الشواطىء في الرملة البيضاء، وضبيه، وصور، والمينا، والهري. وأخذوا منها عينات مياه أرسلت تالياً إلى مختبر الجامعة الأميركية في بيروت للتأكد من نظافتها أو احتوائها على باكتيريا Streptococcus وE- Coli الدالّة على تسرب مياه الصرف الصحي إلى البحر.
حصلت “النهار” على نتائج التحاليل التي أظهرت اختلاف النسب بين منطقة وأخرى.
ونعرض في ما يلي جدولاً يظهر النتيجة، حيث المعدَّل المسموح به هو واحد في الـ 100 ميلليليتر:
وهنا، لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ هذه النتائج ترتكز على عينة واحدة محددة أُخذت من الشواطىء المذكورة آنفاً، وترتكز الأبحاث العلمية إلى أكثر من 3 عيّنات من كل شاطىء للحصول على نتائج أدقَّ، لكن دراسات مماثلة غالباً ما تتبناها الدول التي وجب عليها إجراء تحاليل دائمة لاختبار نظافة المياه، نظراً الى التغيّرات التي تطالها وتبدل حركة التيارات المائية.
“النهار” أطلقت المبادرة علَّ المعنيين يستدركون المخاطر التي يتعرض لها اللبنانييون.
ولتحليل النتائج حاورت “النهار” رئيسة جمعية “الأزرق الكبير” المهندسة عفة إدريس شاتيلا، التي أسفت لأنَّ “الشواطىء التي تشهد كثافة في رواد البحر أبرزها تلك الشعبية، تضمُّ مستعمرات بكتيريا بأرقام هائلة جراء المياه المبتذلة، والكارثة الأكبر هي أنَّ الرواد يدركون الوضع المتدهور، ونحن على علمٍ منذ أكثر 20 عاماً بالواقع المرير على الرغم من أنَّ المعالجة سهلة، إذا ارتأت الدولة اللبنانية ذلك”.
ووفق نتائج العينات، يتبين وفق شاتيلا أنَّ “شاطىء صور شبه خالٍ من بكتيريا Streptococcus وE- Coli، وهذا مؤشر لسلامة المياه وجودتها. وهنا، يجب أن نتنبَّه إلى جانب هذه البكتيريا، إلى السموم والمعادن الثقيلة الموجودة في المياه، والتي تتطلب دراسة عينات بطريقة مختلفة ذات كلفة باهظة جداً. ولكنْ تبقى هناك مواقع نظيفة تغيب عنها مجاري الصرف الصحي والمعادن والمكبات. لذلك، يمكن اعتبار شاطىء صور صالحاً للسباحة. أما الرملة البيضاء فتحوي مياهها أكثر من 400 مستعمرة بكتيريا في الـ 100 مليلليتر، مما يعني أنَّ المياه غير صالحة للسباحة، فيما يرتاد كثيرون هذا الشاطىء، وآخرون يصطادون الأسماك في محيط عين المريسة والرملة البيضاء، وهذه الأسماك تتناول السموم والمعادن الموجودة في المياه، فتدخل هذه الملوثات إلى دهن الأسماك وترجع تالياً إلى صحوننا على مائدة الطعام. في ضبيه معدل الـ Ecoli هو54 في الـ 100 ميلليليتر، وقد يكون ذلك مرتبطاً بوجود مكب برج حمود ونهر الكلب اللذين ينقلان السموم ويؤثران في مياه هذه المنطقة، كما تلعب التيارات البحرية دوراً أيضاً في نقل الملوثات إلى مناطق أخرى مختلفة. والنتيجة مشابهة في منطقة المينا الطرابلسية. أما في منطقة الهري فيبدو الشاطىء صالحاً للسباحة، فيما نسبة مياه الصرف الصحي ضئيلة جداً، ولكن لا يمكننا طمأنة اللبنانيين لأنَّ في محيط هذه المنطقة مصانع ومعامل قد تؤثر أيضاً في سلامة المياه وجودتها”.
إلى ذلك، تلفت شاتيلاً إلى أنَّ “هذه البكتيريا تسبب أمراضاً جلدية ومعوية، أما المعادن الثقيلة فأثرها خطر جداً خصوصاً على صحة الأطفال وكبار السن، وأي كيس أو كوب بلاستيك يُرمى في المياه يرتدُّ بطريقة غير مباشرة على صحتنا، إذ إنَّ الاندماج بين مياه الصرف الصحي والبلاستيك عاملان يضاعفان خطر التلوث ويؤثران في التنوع البيولوجي”.
ورغم كل ما سبق ذكره، ترفض مقولة أن “بحر لبنان مسرطن، إذ ثمة مناطق رائعة يمكن السباحة فيها، من بينها أنفه والناقورة، ولكن لتوخي الدقة أكثر علينا انتظار مجلس البحوث العلمية لإصدار خريطته وتحديد المواقع والشواطىء المناسبة للسباحة”.
لبنان يلوّث نفسه بنفسه، والمسؤولون يتغاضون عن انعكاسات ذلك على القطاع السياحي في فصل الصيف الذي يرتكز عليه الاقتصاد اللبناني، وعلى صحة المواطن وعلى موقع لبنان بين الدول الراقية والصديقة للبيئة.