main-banner

الطائفية في الأمثال الشعبية اللبنانية

قد يظن العديد منّا أن الطائفية والإحساس بها أمر مُستجد في تفكير وأقوال الشعب اللبناني، إلّا أنّه عند محاولة الاطلاع على مضمون الأمثال الشعبية اللبنانية القديمة مثلاً، والتي تعود لمئات السنين، نكتشف العكس.

إنّ مضمون الأمثال الشعبية لخير دليل على واقع شعبٍ مُعيّن، وعلى أسلوب عيشه ونمط تفكيره الاجتماعيّ والسياسيّ والثقافيّ. والأمثال، كتراثٍ شعبيّ، نابعة من تجربة حيّة لأناس أطلقوها وشاعت لصِحتها، كما ساهمت في تشكيل الوعي الجماعيّ لكل طائفة في لبنان. والأهم، أنها تسلّط الضوء على هويّة الناس الحقيقية، خصوصاً أنها راجت بينهم وكانت نتيجة تفكيرهم ولم تُفرض من الخارج عليهم.

lebanon

الأمثال الشعبية إذاً ليست مجرد كلمات سهلة الترداد وفيها نوع من القافية، بل هي مرآة صادقة لتجارب تاريخيّة، فرديّة وجماعيّة، تفسّر ما حدث وما زال يحدث على المستوى الفرديّ والجماعيّ.

ولبنان، كما غيره من الدول، يَكثر في تاريخه القديم أمثال لا يزال بعضها يُستعمل حتى اليوم، ومنها ما يدلّ على واقع وإحساس طائفيّ عُبّر عنه من خلالها. أورد بعضَها هنا، مع تفسير موجز عنها:

بـنـزّل بنتي عا السوق وبيعا، ولا بِـعطيا لواحد شـيعا (وتعني أن الرجل يُفضل أن يذهب إلى حد بيع إبنته في السوق على أن تتزوج أحدهم من الطائفة الشيعية)

المسـلماني ولا الـروماني (مثل يقوله أبناء المذاهب الأرثوذكسية ويفضلون فيه المسلم على المسيحي الكاثوليكي)

مـحمِد أبصـرش إمطانيوس (أبصرش = لا يصبح. مثل خاص بأهالي كسروان وجبيل، ويعني أن المسلم سيبقى متخلفاً مهما حاول جاهداً أن يتصرف كالمسيحيين)

إذا سـطل اللبن حَمّض، بكـون من بني مـحمد (وتعني أن حتى أبسط المشاكل سببها المسلمون)

الروم عضـمون أزرق (وتعني أن أبناء طائفة الروم الأرثوذكس كثيرو العناد وإيمانهم كبير)

غِنى الموارنة للـخوارنة، غنى الـروم للبطون، وغنى الإسلام للـنسوان (مثل يدل أين يرى الناس الأموال موجودة بكثرة عند الطوائف)

سَـبّ الدين بوقـتو تْسـابيح (وتعني أنه ومهما يكن مضمونه، فإن الكلام في الوقت المناسب له مقام الصلاة والتسبيح لله)

هيدا الـدرزي وهيدا الـحيط ( تشبيه بين الدرزي والحائط، وتعني أن أبناء الطائفة الدرزية كثيرو العناد ولديهم إصرار)

مْشـي حدّ الكنايـس وصلّي بالمجالـس (أي تقرّب من المسيحيين على الصعيد الإجتماعي ولكن لا تدخل في دينهم)

حوار بين شيخ درزي وخوري ماروني عمره قرن. يقول الشيخ الدرزي للخوري الماروني:

عندي بارودة زنبرك لما بزيح… بتخش على بكركي وعا ألفين زيح

بتخش بروما وبالفاتيكان… وما بتهدى إلا بصدر المسيح

ويرد عليه الخوري الماروني:

عندي بارودة كل تكة بعوزها… سهم المنية بينطلق من بوزها

أصلها متين وخرطشتها مرتين… ومن الشوف لأرض الصين بتمحي دروزها

(هذه الأبيات الشعرية راجت خلال فترة الصراعات الكثيرة بين الموارنة والدروز في جبل لبنان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. و “الزنبرك” هي قطعة تستخدم في السلاح الحربي، أما الأبيات فتتضمن تهديد درزي بتخريب بكركي (مقر البطريركية المارونية) وروما والفاتيكان، وتهديد جماعي للدروز من الشوف إلى أرض الصين)

***

الأمثال إذاً، جزءٌ من حياة الشعوب وتاريخها، تتضمن الموروث التاريخي وتعبّر عن مضامين الفكر والثقافة العامة. وهي صوت الشعب العادي، والأصدق، بعيداً عن زيف الخطابات الطّنانة والكتب النظرية والنظريات الأجنبية.

بعد هذه اللمحة من الأمثال الطائفية الرائجة في حينها والتي لا يزال بعضها يُستعمل لليوم، لا نستطيع القول أن الطائفية في ما بين الشعوب التي شكلّت دولة لبنان لاحقاً دخلت من الخارج على لبنان، إنما الطائفية هي في صلب الهوية المكونة للبنانيين.

يقول إبن عبد ربه الأندلسي في كتابه “العقد الفردي” عن الأمثال: ” إن الأمثال أبقى من الشِعر وأشرق من الخِطابة”، يبدو أيضاً أن الطائفية هي أبقى عند اللبنانيين من كل إحساس أو إنتماء آخر.

المصدر: nakedbana2

logo

All Rights Reserved 2022 Loubnaniyoun

 | 
 |