حزينة هي السماء, تبكي و تنوح, لتروي بأمطارها الخريفية ارضنا العطشى للأمن و السلام. هو البعد عن الوطن, يفرض علينا شروطه التعسفية, ويحولنا الى متفرجين, نراقب الأحداث عن بعد, من أمام شاشة الحاسوب, وعبر وسائل التواصل الاجتماعي, ليتحول الوطن الى لوحة فنية, نحاول و بجهد كبير فك رموزها و تحليلها….
ويحل الليل الرابع من تشرين الثاني 2014, و يعود كل مرء الى عالمه الخاص ليلملم أشلاء يوم من التعب… عُدت يومها متأخرا الى مكان سكني, قرأت الأخبار اللبنانية بسرعة و كانت التفاصيل تشير أنه و في اليوم التالي, سيلتأم المجلس النيابي اللبناني ليمدد نوابنا لأنفسهم ولاية جديدة…
نُمت حزينا و استيقظت عند الفجر مسرعا, حضرت قهوتي و جلست اقرأ الجرائد الالكترونية الصادرة في ذلك الصباح… و ها هو الخبر الأول, و في الصفحة الأولى , يصدمني : ” آلاف اللبنانيين نزلوا الى ساحة النجمة في محاولة لمنع النواب من الوصول الى المجلس, حاملين الأعلام اللبنانية, و يستمر الشعب بالتدفق بأعداد هائلة حتى اللحظة.”
فرحت حين رأيت الأعلام اللبنانية, تغطي سماء بيروت و تزرع بذور الوحدة و التضامن في قلوب المعتصمين, لعلها تزهر بعدها ثورة ضد الظلم و تنقل وطننا المُغتصب الى بر الأمان… حضرت حقيبتي, وتوجهت الى محطة القطار و البهجة ظاهرة على وجهي. لم أستطع التركيز على عملي طوال النهار, بقيت أتصفح المواقع الالكترونية كل الوقت, بحثا عن الأخبار و المعطيات الجديدة…. و ها هو عدد المعتصمين يتخطى المليون شخصا, قُطعت كل الطرق المؤدية الى المجلس, شُلت الحركة في المدينة بالكامل, ووصل بحر المتدفقين من كل المناطق الى ضواحي العاصمة.. و المشهد لا مثيل له, أعلام موحدة في كل مكان, مطلب واحد و رغبة واحدة في الخلاص من المأزق المظلم الذي آلت اليه الأحداث في لبنان و حوّلت الفراغ الى فراغ أكبر بات يهدد المواطنين ويرهن ارواحهم… و ها هو الخبر المُنتظر : “رئيس المجلس النيابي يُلغي جلسة اليوم لتعذر وصول النواب, فأُجلت الجلسة الى يوم آخر.”
عُدت الى منزلي بعد الدوام, وجلست مع رفاقي الفرنسيين, نشاهد نشرة الأخبار المسائية عبر المحطات الفرنسية التي كانت تنقل الأحداث من لبنان باهتمام كبير, فالشعب اللبناني بأجمعه نزل الى الساحات في كل المناطق, ولا عودة قبل الغاء القرار و تنظيم انتخابات عادلة بأقرب وقت, لأن مبررات عدم اجرائها لم تُقنع شعبا رفض الهيمنة و الذل منذ زمن طويل وقاوم المحتلين حتى الرمق الأخير دفاعا عن السيادة و الاستقلال.
و ها هو الخبر الأخير قد وصل : “رضوخ النواب لرغبة الشعب في عدم التمديد, يُحل المجلس الحالي بعد اقرار قانون انتخابي عصري وعادل لإجراء الانتخابات في أقرب وقت.”
انتهى ذلك النهار التاريخي بنصر كبير للشعب اللبناني بوجه الديكتاتورية المقنعة والظلم وسوء استعمال الأمانة….غلبني النعاس و غصت في نوم عميق…استيقظت من هذا الحلم الجميل, لأكتشف أن الكابوس المفروض على ابناء وطني ما زال ساري المفعول…. الشعب نائم, لا يستيقظ الا لخدمة الزعيم… مُرّر التمديد, عُدّل القانون…. الشعب متفرّج, ضاحك… و في زمن العار, سلام على الجمهورية…
بقلم نهرا عبده الحاج