main-banner

أمطر أيها الشتاء وذكرني بوطني

هو المطر من جديد, يدق على شباك غرفتي, يزورني تباعا من دون استئذان وينسحب كضيف خفيف… هو المطر العابر فوق المحيط, و فيه ما يذكرني بالوطن… هل هو النسيم العليل في بستان جدي أم هي أمواج بحر جونيه و صوت ارتطامها بصخور الشاطئ؟ أفتح شباكي, أمد يدي واذا بحبات المطر توقظ ما تبقى من حنين في قلبي الى وطن غارق بالدموع… دموع شتاؤه الحزينة ما لبست أن غمرت كل الفصول, فلا الربيع عاد مزهرا وان تفتحت أزهاره, حُولت اكاليل على أضرحة الشهداء, والصيف بات أسرع من الظل, فكلما طل في الأفق و استعدت له النفوس, غافله الخريف و أسقط أوراق شجره الواحدة تلوى الأخرى…

فاجأنا الخريف الأسود في البلدان العربية ونحن في انتظار الربيع المشرق الزاهر الآتي من بعد شتاء قاسي و خسارات كثيرة… غافلنا من دون أن نعي, و حل كالكابوس على الحلم العربي, مدمرا كل ما بُني بسواعد خيرة من الشباب المناضل… انتهى الحلم, واستيقظنا على ارهاب ظالم, أرهب البصر و السمع قبل النفوس, فغزت مشاهد المجازر الجماعية قنواتنا الاخبارية و مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كثيف… فأصبحت الروح رقما تُضاف على أرواح الاف الشهداء, ورخصت قيمة الموت في أكبر دفن للقيم الانسانية…

مشهد فصل الرأس عن الجسد, و مشاهد اطلاق الرصاص على المدنيين, وغيرها من مشاهد التنكيل بالجثث, عُرضت و شاهدها الجميع من أصحاب القلوب القوية و حتى صغار السن و الأطفال.

و لكن هل منكم من فكر بأثر هكذا مشاهد على نفسية أبنائنا و حتى على الأمة جمعاء؟؟

سؤال راودني, و هزني في العمق… فالبارحة وكالعادة قصدت جامعتي في احدى المدن الفرنسية, وبينما كنت أتفحص بريدي الالكتروني, لفتتني احدى الرسائل ناعية احدى الطالبات التي ماتت بسكتة قلبية, وبالتالي دعت الجامعة كل من يعرف الفقيدة من قريب او بعيد أن يتجه الى المعالج النفسي بأسرع وقت للاطلاع على حالته النفسية نظرا لما قد يُنتج هكذا رحيل مبكر لأحد الأصحاب من تداعيات قد تظهر سلبياتها في المستقبل… هنا و أمام الموت الجماعي و المجاني في بلداننا العربية, أغلقت حاسوبي و تسألت: هل فعلا قد يكفي طبيب نفسي لعلاج ما تسبب به الارهاب في مجتمعاتنا العربية؟ أم أننا قوم اعتادت مخيلته على مثل هذه المشاهد وبات اللاوعي عندنا قادرا على امتصاص عقدنا و محيها بالكامل؟؟

أمطر أيها الشتاء وذكرني بوطني… أمطر ولتروي حباتك النقية أرضنا العطشة للأمن و السلام…

بقلم نهرا عبده الحاج

logo

All Rights Reserved 2022 Loubnaniyoun

 | 
 |