في ظلّ كل الأزمات المتصارعة في لبنان، ترخي جائحة كورونا بظلالها الثقيلة على كتف اللبنانّي لتزيد من كربه، وتضيف أزمة أخرى إلى سلسلة الأزمات التي بات شعبنا منهك من مواجهتها والتعاطي معها.
في ٢١ شباط/فبراير أعلن وزير الصحة اللبناني، حمد حسن، إصابة مواطنة لبنانية قادمة من إيران بفيروس كورونا المستجد، والاشتباه في حالتين أخريين في البلاد. وكان ذلك أول إعلان عن ظهور الفيروس في البلاد. يكمل اليوم وباء كورونا مسيرته في التفشّي، بسرعة وخطورة. إذ أصبح العدد الإجمالي للإصابات في لبنان 61284 إصابة.
سجّل شهر شباط/فبراير 7 حالات، ليرتفع هذا العدد في آذار/مارس الماضي ليصل إلى 456 إصابة فتقفل البلاد بالكامل. ثم يعود وينخفض عدد المصابين ليسجّل شهر نيسان/أبريل 259 إصابة. ومنذ شهر نيسان/أبريل استمرت الحالات بالتزايد لتسجّل 495 في أيار/مايو، من ثمّ 558 خلال شهر حزيران/يونيو و2780 في تمّوز/يوليو.
الأرقام مخيفة وخطرة، والأخطر من هذه الأرقام هو تجاهل اللّبناني لأهمية الالتزام بأبسط الإجراءات كوضع الكمّامات مثلًا. سلبت هذه الجائحة منّا حياتنا السابقة بروتينها وتفاصيلها كافة، كما أربكت شعوب ودول العالم أجمع. ولا يزال البعض في لبنان يواصل نشر وتبني نظريات المؤامرة حول هذا الفيروس المستجد.
الكارثة على الأبواب، فسرعة تفشي الفيروس تجاوزت قدرة استيعاب المستشفيات. القطاع الصحي في أزمة صارخة، بسبب سعر الصرف، بالإضافة إلى نفاذ المستلزمات الطبية وتضرّر عدد من المستشفيات في بيروت جرّاء الانفجار الضخم الذي هزّ العاصمة يوم 4 آب. من جهة أخرى، غادر حوالي الخمسمئة عامل صحي لبنان جرّاء توالي الأزمات واستحالة العيش في خضم الفوضى والفساد. أضف إلى ذلك، من أصل 95 مستشفى خاصة، 15 فقط لا غير تستقبل المصابين بالوباء. كما أعلن نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون أن 90% من الأسرّة أصبح مشغولًا. إذًا سوف يصل اللبناني لا محالة إلى مرحلة لن يقدر فيها حتى على دخول المستشفى.
بعد فشل خطة الاقفال الجزئي، ليس أمامنا سوى الاقتناع بأن كورونا حقيقة وعلينا مواجهتها معًا عبر الالتزام بالإجراءات البسيطة للحد من انتشار هذا الوباء. الاستهتار جريمة شنعاء نمارسها بحقّ أنفسنا إذ لم نلتزم فورًا بالإجراءات. نذكّر ببعض الإجراءات الوقائية التي قد تردع وصولنا إلى نقطة اللّاعودة، ينبغي أوّلًا ارتداء الكمامة، والحفاظ على مسافة من الأشخاص المصابين وتنظيف اليدين بانتظام وتفادي المصافحة باليد والعناق.
فيروس كورونا ليس أوّل وباء يعترض طريق البشرية. حدثت خلال القرون الثلاثة السابقة، 10 جائحات عالمية، 3 منها في القرن الأخير، بينها الإنفلونزا الإسبانية عام 1918.
نجح العالم في التعامل مع الإنفلونزا الإسبانية والقضاء على تداعياتها منذ أكثر من مئة عام عبر تطبيق الإجراءات الوقائية نفسها التي يجب علينا اتباعها اليوم. في عصر الإنجازات العلمية والتسهيلات التكنولوجية سوف ينتهي هذا الوباء المستجد وليس علينا سوى الالتزام.