!حلم أم حقيقة؟ مجمع كونسرفاتوار ضخم ودار أوبرا في لبنان
منذ زمن بعيد كان موضوع إنشاء مجمع علمي كبير لتدريس الموسيقى وإقامة النشاطات الفنية في لبنان يتوارثه جيل بعد جيل. أما إنشاء دار للاوبرا فكان ايضا أقرب الى الحلم منه الى الواقع. وهناك من لا يزال يتذكر محاولة وزير التصميم حسن الرفاعي في بداية السبعينات من القرن الماضي في عهد الرئيس سليمان فرنجية عندما سعى الى إنشاء دار للاوبرا في منطقة المنارة في بيروت ومتحف للفن التشكيلي باسم “إيريس فرنجية” قرينة الرئيس السابق. لكن هذا السعيّ ذهب أدراج العقم السياسي والحرب التي اجتاحت لبنان عام 1975. واليوم يأتي وزير الثقافة غطاس خوري بعد ذلك الحلم القديم ليقول انه سيتحقق في عالم الموسيقى من خلال كونسرفاتوار ودار اوبرا فضلاً عن مشاريع ثقافية مهمة قد تشكل قفزة ضخمة لم يعرفها لبنان من قبل. فهل هذا واقع أم خيال؟ الوزير خوري يؤكد انه واقع ويقدم الى”النهار” هذه التفاصيل:
بين 14 و15 أيار المقبل يشارك الوزير خوري في المؤتمر الدولي الذي ستستضيفه الصين تحت عنوان “طريق الحرير” والذي تشارك فيه أكثر من 70 دولة .”الحرير” الذي سيجنيه لبنان من هذا المؤتمر، إذا صحّ التعبير، سيكون توقيع إتفاقية مع بيجينغ يحصل لبنان بموجبها على هبة قدرها 35 مليون دولار أميركي ستنفقها الصين على إنشاء مجمع كبير في منطقة ضبية شرق بيروت قرب قصر المؤتمرات مخصص للكونسرفاتوار الوطني، يضم قاعات عدة مع متحف للآلات الموسيقية ومسرح يتسع لـ 1400 شخص، وآخر يتسع لـ 400 شخص. هذا المشروع ليس مجرد فكرة فقط بل خرائط هندسية جرى إعدادها بين الصين ولبنان على أن يبصر المشروع النور خلال ثلاث سنوات ويكون التنفيذ بإشراف الجهة المانحة.
ماذا عن دار الاوبرا؟
من اوراق السبعينات أيام الوزير السابق الرفاعي الى بداية التسعينات أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كانت منطقة المنارة، وتحديدا أرض الملعب الرياضي الفسيح، محط اهتمام نظرا الى موقعها المميز في قلب العاصمة اللبنانية. ويقول الوزير خوري إن قطار هذا المشروع حطّ الآن في عمان التي أخذت على عاتقها إنشاء صرح ثقافي عملاق يضم دارا للاوبرا ويفتح الآفاق امام مشاريع سياحية مجاورة. وهذا المشروع بلغ مراحل متقدمة ستظهر معالمه لاحقا.
ومن هذين العنوانين عناوين ذات أهمية ثقافية كبرى. فالعمل جار، وفق ما قاله الوزير خوري لـ”النهار” على ترميم قلعة بعلبك الشهيرة على يد خبراء إيطاليين بإشراف المنظمة الدولية لحماية الاثار ومنظمة الاونيسكو. ومثل بعلبك قلعة عنجر الشهيرة التي موّلت كوريا الجنوبية إعادة تأهيلها. أما قصر بيت الدين فهو في طريقه لينال حصة وازنة من التمويل لإعادة التأهيل ليشمل أقساما عدة واستحداث منشآت فيه تتعلق بالطاقة والتكرير. كذلك هناك حصة أيضا لتأهيل قصر الاونيسكو ومسرح البيكاديللي الشهير. وإذا كان هذا المسرح لا تزال في اروقته أصداء الاعمال الفنية الكبرى للاخوين الرحباني، فإن اسم فيروز يعود الى دائرة الضوء مع السعي الى إنشاء متحف في منزلها الاثري، والامر قيد المتابعة مع بلدية العاصمة ومحافظ بيروت.
لا يمرّ الموضوع الثقافي من دون موضوع الابنية الاثرية المثير للجدل السياسي على الدوام. وهناك باستمرار مواضيع ذات صلة بهذا البناء او ذاك. ويقول خوري ان مشروع قانون في مجلس النواب لم يخرج منه بعد يتصل بإعطاء التعويضات لمستحقيها من أصحاب هذه الابنية. ومن الامثلة ما أثير أخيرا حول “البيت الاحمر” في منطقة الحمرا. وهذا البيت الذي يملكه أفراد من عائلة ربيز يعود تاريخ بنائه الى عام 1860 عندما جرى إنشاء الجامعة الاميركية. لكن البناء الاصلي شهد إضافات من الاسمنت ومحال أفقدته أية قيمة اثرية، مما استدعى قراراً من مجلس شورى الدولة برفعه عن “لائحة الجرد العام”. وعندما دخلت السياسة الى موضوع البيت، إضافة الى محاولة طرحه للبيع بسعر أقل بكثير من قيمة العقار القائم عليه، تحركت وزارة الثقافة حاليا وطرحت حلاً يبقي على الشق الاثري من البناء ويحرر ما تبقى من عقار لا علاقة له بالاثار لينتفع به أصحابه وهو الان على جدول البحث.
ويوضح خوري ان هناك صيغة عملية يمكن من خلالها تحقيق هدف مزدوج هو الحفاظ على الابنية الاثرية وإعطاء اصحاب الحقوق شهادات استثمار تعادل قيمة العقارات يمكن بيعها في مشاريع عقارية في بيروت.
من يستمع الى الوزير خوري، وهو الطبيب المعروف، يدرك ان هناك غير السياسة التي تشغل اهتمام الساسة بطريقة تشبه الدوران في حلقة مفرغة حتى الان. إن هناك ثقافة يمكن من خلالها، مع غيرها من الفرص، أن يحيا لبنان.