كيف يمكن أن يُلاحظ الأهل ان ابنتهم او ابنهم يعاني الإنوركسيا؟
صور جذابة ومغرية لنساء بأجساد نحيفات اجتاحت سوق الإعلانات، كما اجتاحت عقولنا بهذه البساطة والسرعة. هكذا ارتسمت الصورة المثالية للأنوثة، شئنا ذلك أم أبينا. أن ترى الفتاة في جسدها وجعاً نفسياً وخطراً صحياً ليس أمراً عادياً ولا مرحلة عرضية، بل هو منبه أولي وجدي لما هي مقبلة عليه دون علمها. كثر يعانون من حالات تُصنف بخانة الإنروكسيا أو مرض “فقدان الشهية”، منها شخصيات بارزة وشهيرة، جعلت من هذه الظاهرة حالة مرضية خطيرة تتطلب تحركاً سريعاً. دراسات عدة خيضت في المجالين الطبي والنفسي ونتائج حاسمة وضعت النقاط على الحروف لاستخلاص الأسباب والعوارض وحتى العلاج.
خاضت بعض النجمات الهوليوودية صراعاً مريراً مع مرض فقدان الشهية، وتداولت الصحافة معلومات متنوعة لبعض هذه الوجوه منها أنجلينا جولي التي وصل وزنها الى 35 كيلوغراماً! والأميرة ديانا التي كانت تعاني مشكلات نفسية وتشويه للذات وليندزي لوهان التي تحدثت عن مرضها في العام 2006 وليدي غاغا وديسكا ألبا… لمحة سريعة عن هذه الأسماء بإمكانها أن تُلخص حقيقة واحدة، مفادها أن الأسباب النفسية مسؤولة بشكل واضح ومباشر عن الإصابة بمرض الإنروكسيا.
انطلاقاً مما سبق، علينا التأكد اولاً من عدم وجود مشكلة عضوية قبل ان نُباشر في البحث عن الأسباب النفسية المسببة لمرض فقدان الشهية. وفي حال تبين غياب اي مشكلة عضوية، عندها يتوجب علينا التوجه الى الشق النفسي لتبدأ رحلة العلاج والمصالحة مع الذات. تخبر المعالجة النفسية سمر جرجس أن “غالبية الدراسات أثبتت ان هذه المشكلة تظهر في سن المراهقة، وهي تُصيب النساء أكثر من الرجال. فمرحلة التغييرات الجسدية التي تطرأ على جسد الفتاة تنعكس نفسياً عليها، فهي تتمنى ان يكون جسدها جميل وجذاب، ويهمها نظرة الآخرين اليها”.
لكن ماذا عن عوارضها؟ وكيف يمكن أن يُلاحظ الأهل ان ابنتهم او ابنهم يعاني اضطراباً في الشهية، تعدد جرجس أبرز هذه العوارض:
* الخوف من اكتساب الوزن، ولا يختفي هذا الخوف حتى بعد خسارته الوزن.
* اضطراب في صورة جسده، فالشخص يرى نفسه بديناً في حين أنه في المرآة وعلى الميزان نحيف جداً.
* يرفض الحفاظ على وزنه ويحاول دائماً إنقاص وزنه ما يتسبب في مشكلات صحية أخرى، لا سيما في الهرمونات والدورة الشهرية وغيرها من الأمراض.
تشدد جرجس على الأسباب النفسية المسؤولة عن الانروكسيا والتي تعزى بشكل مباشر الى مرحلة الطفولة وتحديداً من الولادة الى عمر السنة. فعندما يكون الطفل رضيعاً يرى أمه مصدراً للأكل وللحنان والأمان. فإذا كانت الأم تُطعم ابنها وهي خائفة (من تشويه ثديها) فإن الطفل يخاف من الأكل خوفاً من أذية امه. لذلك نلاحظ ان الطفل الذي لا يأكل تكون علاقته بأمه مضطربة (لا سيما عند الفتيات)، لأنه يعيش صراعاً نفسياً وشكاً كبيراً من محبة امه له.
كذلك يعيش الشخص الذي يعاني فقدان الشهية صراعاً داخلياً بسبب رغبته في الإستقلالية بعيداً من اهله. لذلك يحاول ان يتحكم بنظام غذائه كما يريد ان يتحكم بأمور حياته وبأهله والمحيطين به، ولأنه غير قادر على التحكم بهم، ينقل هذا الصراع إلى الطعام لأنه قادر على التحكم بالكمية والنوعية. كما ان الفتاة تعيش صراعاً جنسياً في مرحلة البلوغ، تخاف من التغييرات الجسدية التي بدأت تظهر عليها ككبر الثدي وظهور الشعر… تخاف الفتاة من جسدها الجديد ومن رغباتها الجنسية التي تنتابها، وتخاف من الأكل كي تُحافظ على جسدها الصغير ولا تتحول الى امرأة.
وتضيف جرجس بالقول “نجد ايضاً ان الشخص الذي يعاني الإنروكسيا لديه مشكلة مع جسده، فمثلاً اذا كان الشخص معنفاً في طفولته فإن ذلك يؤثر في نظرته الى صورته. فيُعاقب نفسه ويُسيء الى جسده مثلما تعاملوا معه سابقاً. إضافة الى نظرة المجتمع والتسويق لصورة المرأة المثالية النحيفة، فالمرأة الجميلة هي التي تملك هذه المواصفات، لذلك تتماهى هذه المراهقة بهذه الصورة الموجودة في الإعلانات وعلى شاشات التلفزة. وبهذه الطريقة نعزز باللاوعي مبدأ أن الجمال مرتبط بالوزن.
صراعات كبيرة تكشف عنها الاضطرابات الشهية والتي تستوجب علاجاً فورياً وضرورياً. ويكون العلاج نفسياً من خلال:
– العلاج النفسي الفردي لتحسين صورتها والتصالح مع الذات.
– العلاج النفسي العائلي: العمل مع الأهل لتصحيح علاقتهم بابنتهم او ابنهم لتخطي هذه المشكلة.
لا يمكن، إذاً، ان نغفل عن هذا المرض لأن خطورته قد تؤدي الى الإصابة بامراض صحية وأحياناً الى الوفاة.