التحرش الجنسي بالقاصرين ليس مجرد جريمة قانونية، بل هو وصمة اجتماعية وإنسانية تُهدد مستقبل الأطفال في لبنان. إنها قضية تمزج بين ألم الضحايا وصمت المجتمع، وبين تقصير القانون وثقافة التواطؤ التي تسمح للجناة بالإفلات من العقاب.
أرقام مخيفة تحت غطاء الصمت
تشير الإحصاءات المتداولة إلى أن حالات التحرش بالقاصرين في لبنان ليست نادرة، بل منتشرة بشكل مقلق، وغالبًا ما تكون في بيئات قريبة من الطفل، سواء في المنزل أو المدرسة أو ضمن محيط العائلة الممتدة.
ومع ذلك، فإن كثيرًا من هذه الحالات لا تصل إلى العلن بسبب الخوف من “الفضيحة” الاجتماعية، مما يدفع الأهالي إلى التستر بدلًا من طلب العدالة.
أين القانون؟
رغم أن القانون اللبناني يعاقب التحرش الجنسي بالقاصرين، إلا أن ضعف تطبيقه والتعقيدات القضائية تجعل من الصعب محاسبة الجناة. فغالبًا ما تواجه العائلات التي تسعى إلى تحقيق العدالة عقبات عديدة، مثل نقص الحماية للضحايا أثناء التحقيقات والخوف من الانتقام المجتمعي.
التعديل الأخير لقانون حماية الطفل عام 2014 ضمن إطار قانون رقم 422 المتعلق بحماية القاصرين من العنف والاستغلال، ورغم أهميته، لا يزال يفتقر إلى أدوات تفعيلية حقيقية تحمي الطفل فعليًا من الانتهاكات اليومية التي قد يتعرض لها.
الثقافة المجتمعية: المتواطئ الصامت
التحرش بالقاصرين لا يحدث في فراغ، بل هو نتاج ثقافة مجتمعية تميل إلى لوم الضحايا بدلًا من مساءلة الجناة. ويتم غالبًا إسكات الأطفال من خلال التهديد أو التلاعب العاطفي، بينما يختار المجتمع الإنكار أو التستر تحت شعار “حماية سمعة العائلة”.
الدعم النفسي: حلقة مفقودة في مواجهة التحرش
حتى في الحالات التي يتم فيها الكشف عن التحرش، نادرًا ما يحصل الضحايا على دعم نفسي كافٍ. الآثار النفسية للتحرش قد تلازم الطفل لسنوات، مما يؤثر على نموه الاجتماعي والعاطفي، ويُضاعف من أعباء هذه الجريمة التي تتجاوز أبعادها اللحظة الزمنية التي وقعت فيها.
الحلول... ما الذي يمكن فعله؟
1. تشديد القوانين وتفعيلها: يجب أن تكون عقوبات التحرش بالقاصرين صارمة ورادعة، مع توفير آليات لحماية الضحايا أثناء سير القضايا.
2. تعزيز الوعي المجتمعي: يجب كسر ثقافة الصمت من خلال حملات توعية تُشجع الأطفال على التحدث وأهاليهم على الإصغاء، مع تدريب المعلمين والأطباء على كيفية التعرف على علامات التحرش.
3. تطوير برامج الدعم النفسي: يجب إنشاء مراكز متخصصة لتقديم الدعم النفسي للضحايا ومساعدتهم على تجاوز آثار الجريمة.
4. إطلاق خط ساخن سري: يمكن أن يساعد خط ساخن مجاني وسري الأطفال وأهاليهم على الإبلاغ عن أي حالة تحرش دون الخوف من الفضيحة.
صرخة أخيرة
التحرش الجنسي بالقاصرين جريمة لا تُغتفر، لكنها ليست قضية ميؤوسًا منها.
كسر دائرة الصمت يتطلب شجاعة جماعية، من القانونيين إلى الأهالي، ومن الإعلام إلى الأفراد العاديين.
حماية أطفالنا ليست خيارًا، بل واجب علينا جميعًا.
إذا كنا نطمح إلى بناء مجتمع أفضل، فعلينا أن نبدأ بحماية من هم أضعف أفراده.
أطفال لبنان يستحقون طفولة آمنة وخالية من الخوف، ولن يتحقق ذلك إلا بمواجهة هذه الجريمة بكل جرأة وحزم.