main-banner

بعبع اللامركزية.. لماذا تخشاه الطبقة السياسية؟

على رغم إقرار الجميع من سياسيين حقوقيين ودستوريين بأنّ اللامركزية الإدارية هي النموذج الأمثل لتعزيز وجه لبنان الإنمائي الخدماتي،إلاّ أنّ الطبقة الحاكمة ومنذ إدراج بند اللامركزية في اتفاق الطائف قبل ثمانيةٍ وعشرين عاماً لم تعمد إلى إقراره، تارةً تغرق بتفصيل قوانين الإنتخاب على قياسها، وطوراً تتلهى بصراعات وانقسامات تعطّل معها الحياة الدستورية .

مشروع اللامركزية الإدارية ليس موجوداً في دائرة النقاش سوى بوتيرة خجولة، كانت قد تناولته القوى السياسية في لقاء بعبدا التشاوري، واكتفى البيان الختامي بجملة لا تقدم ولا تؤخر في مسار اللامركزية، كونها لن تخرج عن نطاق حبر البيان “ضرورة إقرار اللامركزية الإدارية في أقرب وقت ممكن”، وقبل ذلك في لجنة منبثقة عن لجنة الإدارة والعدل تلتئم منذ أشهر في مجلس النواب كلّ ثلاثاء، برئاسة النائب روبير غانم ومشاركة وزير الداخلية السابق زياد بارود، تناقش المشروع الذي أعدّته اللجنةٌ التي شكّلها الرئيس نجيب ميقاتي عام 2012 برئاسة بارود، فأنجزت عملها على أكمل وجه، وقدّمت مشروعاً متكاملاً عام 2014، اعتمد القضاء كوحدة لامركزية، ومجالس منتخبة بالكامل مع صلاحيات واسعة إدارية ومالية مدعومة بواردات، “من دون أيّ تنازل أو تعريض لوحدة الدولة وقوّة سلطتها المركزية”.

السؤال المطروح: ممّا تتخوف الطبقة السياسية؟ وما الذي يجعلها تشتمّ في اللامركزية الإدارية المعتمدة في دول العالم المتحضّر رائحةَ تقسيم ؟ ما علاقة الفيدرالية باللامركزية الإدارية؟ وهل حصول المواطن على سجل عدلي من منطقته أو ما شابه يعتبر تقسيماً؟ وكيف يمكن لتعبيد طريق في قرية نائية، أو تنفيذ مشروع إنمائي من قبل سلطاتها المحلية أن يشكّلا انتقاصاً من سيادة الدولة ووحدتها المركزية؟

كلّنا يعلم أنّ وظيفة النائب في لبنان أو الوزير تختلف عن وظيفة نظيرهما في الكثير من دول العالم، وكلّنا يعلم أنّ المواطن يلجأ إلى النائب أو الوزير أو الزعيم طلباً لخدمات هي في صلب بديهيات حقوقه، كالدخول إلى المستشفى على نفقة وزارة الصحة، أو الحصول على دواء لمرض من مغارة “الكرنتينا”، أو الحصول على وظيفة، أو تعبيد طريق منزله أو حتّى أقلّ من ذلك.

فكيف يمكن للمطالبين بإقرار اللامركزية أن ينزعوا من يدّ السياسي فرصة التحكّم برقاب ناخبيه، ونحن في زمن التحضير للإنتخابات النيابية ؟ وكيف يمكن لهؤلاء أن يضيّعوا على ذاك المسؤول فرصاً لا تحصى بعقد صفقات حول مشاريع إنمائية وتعهدات من شأنها أن تدخله بليلة وضحاها نادي الأثرياء؟

نعم هنا بيت القصيد. فالطبقة السياسية أو بعضها على الأقل، لن تتخلى عن وظائفها التي تمنحها سلاسل تقييد رقاب المواطنين، من أجل أن يصطلح النظام ويرتاح المواطن وتنتعش المناطق، وما همّها إن بقيت المشاكل تخنق الوطن والمواطن، فاستمراريتها أسمى من كلّ هذا، ناهيك بأنّ من نتائج تطبيق اللامركزية الإدارية كشف الفاسدين في شكلٍ واضحٍ ضمن بيئتهم وأمام أجهزة الدولة، بدل أن يبقى الفساد مستتراً تحت عباءة الدولة ككلّ.

مهندس اللامركزية

بارود مهندس مشروع اللامركزية الإدارية وعبر “لبنان 24” ينظر بإيجابية إلى طرح مشروعه على بساط البحث، ولكن بالمقابل لا يريد لهذا المشروع أن يُشوّه “إذا كان المشروع جزءاً من سلّة إصلاحات وتفاهمات بالمعنى الإيجابي، عندها أكون متفائلاً بإقراره.أمّا إذا كان المشروع على قاعدة إعطيني لأعطيك وحذف هذه وتلك، فلن نصل إلى مكان، وأخشى من أن يتحوّل المشروع إلى مسخ عبر حذف شقّه الأساسي أي اللامركزية المالية إلى جانب الإدارية. فإعطاء صلاحيات من دون أن تترافق مع استقلال مالي وواردات مالية لن نكون حققناً شيئاً، لأنّ العصب المالي يبقى الأساس لترجمة المشاريع والمهام”.

وعن أهمية نظام اللامركزية يطول الكلام “رأينا كم أنّ البلديات التي تتمتع بهامش مالي كيف تمكنت من إنجاز العديد من المشاريع منذ العام 1998 إلى اليوم. فتجربة البلديات التي هي تجربة لامركزية، يجب أن تشكّل محفزاً للسير بالمشروع،عندها يضيق هامش الفساد على المستوى المحلي بفضل المراقبة المباشرة، بحيث أنّ الناس تعرف بعضها وقادرة على المحاسبة على مستوى الإنتخابات البلدية، هذا النظام يتيح أيضاً ديمقراطية تشاركية ومساءلة وشفافية أكبر، ويجعل من الشراكة بين القطاعين العام والخاص لا تشبه ما يفعلونه تحت الطاولة. على سبيل المثال فلنرى ماذا فعلت مركزية النفايات في الناعمة عندما أُقفل المطمر،بينما البديل اللامركزي يُدخل مردوداً مادياً ويحلّ المعضلة”.

عن المزج بين اللامركزية والفيدرالية يقول بارود: “لا علاقة إطلاقاً تجمع بين المفهومين، الفيدرالية نظام حكم، بينما اللامركزية نظام إدارة للشؤون المحلية ضمن وحدة الدولة، ومعظم دول العالم التي اعتمدت اللامركزية هي دول موحدة، واتفاق الطائف نصّ عليها ضمن تسمية اللامركزية الإدارية الموسّعة، وهو الإتفاق الذي يحافظ على وحدة الدولة وعلى سلطة مركزية، بالتالي لا خوف على الإطلاق من تعريض وحدة الدولة لأيّ مخاطر، لأنّ النصّ واضح، واللامركزية بمعناها المنهجي الدستوري والإداري، حدودها وحدة البلد، منطلقها الإنتقال من اللاحصرية على مستوى المحافظ والقائمقام، إلى سلطات محلية منتخبة من الشعب، وتتمتع باستقلال مالي وإداري، يخوّلها الإضطلاع بالمهام الموكلة إليها وهذا ما يميزها عن اللاحصرية”.

على كتاب “مشروع اللامركزية الإدارية” الذي أهدانا إياه، دوّن بارود “على أمل الإقرار بعد طول انتظار، لخير البلد وناسه”، فهل حان زمن اللامركزية الإدارية، أمّ أنّ أزمنة الفساد ستطيح ما عداها؟

المصدر: ليبانون 24

logo

All Rights Reserved 2022 Loubnaniyoun

 | 
 |