عندما يتعلّق الأمر بأعلام الآخرين وقضاياهم، رياضيةً كانت أم سياسية أم عسكرية أم…، تراهم ينزلون الى الشارع بالآلآف.
ألمانيا، البرازيل، إيران، سوريا، فلسطين … كلّها أعلام “بيّيعة في لبنان”، هتافات وحماس وحشد لن تراه لو كان الأمر يتعلّق بقضاياهم اللبنانية.
مناسبة الحديث اليوم، هي التفاعل القوي الذي أظهره اللبنانيون خلال شهر المونديال مع منتخبات البلدان التي يؤيّدونها. تفاعل لم نر مثيلاً له في بلدان أخرى لاسيما تلك غير المشاركة في المونديال.
وفيما كان الآلآف يرفعون بالأمس علم ألمانيا ويتسابقون حول مَن يرفع أكبر علم على جدار منزله أو في الشّارع حتى وصل علوّ بعضها الى ثلاثين متراً، كان البطريرك الرّاعي يبدي أسفه في عظة الأحد لأن الشعب اللبناني لا يثور ضد استهتار السلطة السياسية بقضاياه وإهمالها له وإغماض عينيها عن حالته البائسة وصم آذانها عن سماع أنينه.
نعم إنها مفارقة أن يتحرك اللبنانيون بكل حماسة لقضايا الآخرين فيما يتخاذلون في الدّفاع عن مصلحتهم كشعب ومصلحة وطنهم.
لماذا يا ترى؟ لماذا لا تحرّكهم قضاياهم؟
هل هو قصور في الشعور بالمواطنية، أم هو اعوجاج في النّشأة على التبعية أم هي عوارض اليأس من واقعهم المرير بحيث يتشوّقون الى احتفال بالنصر حتى ولو كان في ألمانيا؟!
أيّاً يكن فإن لفتة البطريرك كانت في محلّها، وقد وافقه عليها قائد القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع. وكلاهما يفعل المستحيل كي لا يستسلم اللبنانيون لقدرهم ويتأقلمون مع الشوّاذ، مع فكرة العيش في الفراغ والفشل والقصور والتبعية. فيما يبحثون عن متنفّس في مكان آخر، في بلد أخر، في قضيّة أخرى، في علم آخر، في نصرِ الآخر بعدما توالت عليهم الهزائم.