لم أكن أتوقع أن دعوة العشاء التي وجهها صديق لي، الى أحد مطاعم بلدة الحازمية، ستدق ناقوس خطر حرية الإعتقاد والتعبير، وتحملني الى إنتفاضة داخلية بوجه رياح التعصب والطائفية. بعدما طلب صديقي زجاجة بيرة، إعتذر النادل وقال: “لا نقدم الكحول هنا…”. قاطعته مستفسراً عن السبب فأجاب: ” الإدارة لا تحبذ تقديم الكحول”. لم أصدق للحظة الأولى ما حصل. إنه عصر الخليفة أم إننا نتحول رويداً رويداً الى “أهل ذمة” على الاراضي اللبنانية كافة؟
أُجبرنا، وتفهمنا الوضع، بإحترام خصوصيات المناطق التي يسكنها أكثرية تحرم الكحول وتمنع بيعه أو شرائه، لذلك بتنا نلجأ الى المناطق التي لا ترى بموضوع الكحول سلعة ممنوعة او إستفزازية لقاطنيها. لكن أن يصل الأمر الى ضرب خصوصيتي بالحائط ومحاصرة قناعاتي وإستبدالها بتقاليد لا تمثلني، فهاذا أمر مرفوض كلياً.
أين خصوصيتي الشخصية؟ أين حرية الإعتقاد والتعبير؟ أين الدولة المدنية التي يتغنى بها السياسيون؟ أين وزارة السياحة؟ أين شراكة العيش واحترام التعددية الدينية؟ لا أتوجه بكلماتي الى دين معيّن. ولا حتى الى طائفة أو مذهب. بل أتوجه الى عقول خبيثة، تحاول اللعب على الأوتار الطائفية والإصطياد في المياه العكرة. فنراها تلجأ تارة الى لعبة التغيير الديموغرافي، أو طوراً الى تشويه صورة لبنان التعددية وإستبدالها بصور التطرف والتعصب المذهبي والديني، ليصار بعدها الى خلق بيئة حاضنة ترفض قبول الآخر ولا تحترم خصوصيته.
ما حصل في بلدة الحازمية، ذو الأكثرية المسيحية، ليس إلا مؤامرة تحيكها عقول نتنة لا تحترم خصوصية الشرائح اللبنانية، إنما تسعى الى تطبيق نظرية تختلط فيها الدوائر السياسية بالدوائر الدينية والخدماتية والتجارية، وهذا ما سيحول الوطن مجدداً الى سلطات تتنازع فيما بينها على حماية الفرائض الدينية بدلاً من دفع عجلة الوطن نحو الأفضل.
لا بيرة في الحازمية، حرام. لكن في الحازمية زبائن. زبائن مسلمون ومسيحيون. ما يجمعهم أكبر بكثير من قنينة بيرة. ما يجمعهم هو إحترام العادات والتقاليد كلها وحب الوطن.
قال لي أحدهم يوماً، أن شرب الكحول ممنوع في الضاحية الجنوبية وفي بعض الأزقة الطرابلسية. فأجبته أن لتلك المناطق خصوصية، خصوصية دينية على ما أظن. لكن، ما الذريعة التي تدفع بمستثمر في منطقة الحازمية، أن يمنع الكحول داخل مطعمه، ويفرض سياسة إدارية لا تشبه سكان المنطقة أولاً، ومن يؤمن بالتعددية اللبنانية ثانياً؟