main-banner

ظالمة انت ايتها الغربة

ما أصعب اللحظة التي يقف فيها المرء على هاوية الزمن, و يلعب دور الحكم في الصراع القائم بين الحياة و الموت.

هي لحظة, تتغلغل في خفايا الزمن, تتآمر علينا و تنقض لتسرق عمرا من التعب و الشقاء. هي لحظة, لم ترحم طفلا نظر يوما من نافذة طائرة و تأمل المحيط من فوق, كله شوق لملقاة أهله بعد بضع ساعات, فكانت أسرع من الشوق, تآمرت مع السماء في فضاء غربة ظالمة, و سرقته بغفلة عن أمه التي كانت تحتضنه, فتناثر جسداهما من فوق ولم يصلا الى الوطن. هي لحظة, فرقت الانسان عن أحبابه و زرعت الحزن و الألم في نفوسهم. هي لحظة, تلتذ في تعذيب أم لوعها فراق ابنها في الغربة, فكان فقدانه في تلك الطائرة, الضربة القاضية لها, ففقدت احاسيسها و مشاعرها مع غيابه.

هو ثمن غال يدفعه اللبناني في غربته و كأنه لا يكفيه القهر و البعد و الشقاء. فهل قدرنا كلبنانيين هو الموت؟

كانت العائلات اللبنانية تنتظر أبناءها المغتربين العائدين من بوركينا فاسو, و الفرحة تسكن نفوسهم و نشوة اللقاء تقضي على ما تبقى من صبر في داخلهم… لم يكن احدا ليتصور أن تلك الرحلة المتوجهة الى الجزائر هي رحلتهم الأخيرة الى الموت, لم يكن أحدا ليتخيل أن القدر ظالم لهذه الدرجة و لم يكن أحدا ليقدر أن ضريبة الغربة باهظة لحد الفراق الأبدي… تحطمت الطائرة في سماء مالي, تناثرت احلام ركابها في الفضاء المتآمر, انتهت الرحلة هناك ليبدأ مشوار العذاب و الألم عند ذويهم في لبنان. فكيف يقتنع هؤلاء بما حدث؟ وكيف لهم أن يتقبلوا فاجعة بهذا الحجم؟

” وينك يا أختي ؟ ردي علي بترجيكي !”, تقولها بلوعة احدى القاطنات في بوركينا فاسو بعد زيارتها لمنزل شقيقتها التي ماتت في حادث الطائرة المنكوبة. تصرخ و تصرخ و لكن ما من مجيب! أين صدى ضحكات من غاب؟ أين صراخ الأطفال؟ “

طيفهم هنا, في كل مكان, ودعتهم على أمل اللقاء, ولكن الموت سرقهم”, تُضيف و الدموع تغمر وجهها المتعب و الحزين…

ظالمة أنت أيتها الغربة, ففي سمائك ما يثير الخوف و الهلع و في محيطك ما يدفعنا لليقظة وللانتباه, وكم تواطآ معا و سرقا أحبابا غابوا عنا غدرا, فغاب الفرح معهم… متآمرة أنت, و كم حاولنا مصادقتك و كنت أنت الخائنة, تبيعيننا في سوق الزمن بأرخص الأثمان, لتكون أرواحنا فدية تُدفع عن وطن مخطوف, خُطف يوما و ضاع, ولم يجده أبناؤه حتى اللحظة…..

بقلم نهرا عبده الحاج

logo

All Rights Reserved 2022 Loubnaniyoun

 | 
 |