
Citizenship
في مثل هذا اليوم من كل عام، يعود شبح الحرب الأهلية اللبنانية ليطلّ على الذاكرة الوطنية. هي ليست ذكرى عادية تمرّ في الروزنامة، بل جرح مفتوح لا يزال ينزف في وجدان كل لبناني عاش تلك المرحلة أو ورث آلامها من روايات الأهل والبيوت التي ما زالت تُرمّم حتى اليوم.
بين ١٣ نيسان ١٩٧٥ و١٩٩٠، غرق لبنان في دوّامة من العنف الطائفي، والحقد السياسي، والتدخلات الخارجية. قُتل أكثر من ١٥٠ ألف إنسان، وتهجّر مئات الآلاف، وتحولت الشوارع إلى خطوط تماس، والمباني إلى متاريس، والأحياء إلى هويات قاتلة. لا بيت لم يُفجع، ولا عائلة لم تُجرح.
انقسم اللبنانيون يومها… وتقاتلوا. ثم تصالحوا، أو ظنّوا أنهم تصالحوا، ومرّت السنون. لكنّ الحرب لم تخرج حقاً من النفوس. لم نحاسب، لم نتصالح فعلاً، ولم نكتب تاريخنا كما يجب.
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، نحن بحاجة لتذكير أنفسنا أن الحرب ليست بطولة، بل انهيار كامل للإنسان. ليست حلاً، بل أسوأ ما قد تؤول إليه الأزمات حين يُترك الناس لليأس، ويتصدّر القتلة المشهد.
نكتب في هذه الذكرى كي لا تُنسى الحقيقة: أن الحرب دمّرتنا، وشرّدتنا، وفرّقتنا، وجعلتنا غرباء في بيوتنا. وأن لا شيء يُبرر تكرارها. لا خلاف سياسي، ولا طائفي، ولا أزمة معيشية، ولا دعوات للثأر.
نكتب كي نُذكّر: لا نريد أن نعيشها من جديد. لا نريد أن يجرّنا أحد إلى مستنقعها، ولا أن نقف على أبوابها كأنها خيار مطروح.
في ذكرى الحرب، نُجدّد القسم: أن لا سلاح فوق الكلمة، ولا طائفة فوق الوطن، ولا ماضٍ أسود يُعيدنا إلى الخلف.
لبنان يستحق السلام، لا القبور المفتوحة. يستحق دولة، لا خطوط تماس. يستحق ذاكرة توحّد، لا تفرّق.
ولن ننسى… كي لا نُجرّبها مرّة أخرى.