
Proudly Lebanese
رحل أنطوان كرباج، ذاك العملاق الذي حمل المسرح اللبناني على كتفيه، وصنع للدراما العربية أدوارًا لن تُمحى من الذاكرة.
برحيله، يطوي لبنان صفحة من تاريخه الفني، لكنه يترك إرثًا خالدًا سيبقى حيًا في وجدان من عرفوه، وشاهدوا أعماله، وتأثروا بأدائه الصادق والعميق.
انطلاقة من ذهب
وُلد أنطوان كرباج عام ١٩٣٥ في زبوغا – قضاء المتن، وفي مطلع الستينيات، كانت انطلاقته الحقيقية عندما التحق بمعهد المسرح الحديث الذي أنشأه المخرج منير أبو دبس تحت مظلة مهرجانات بعلبك الدولية.
هناك، بدأ مسيرته مع المسرح، وتعلّم أصول الأداء التمثيلي، ليصبح أحد أعمدة الحركة المسرحية الحديثة في لبنان.
مع فرقة “المسرح الحديث”، وضع بصمته الأولى، ومنذ ذلك الحين، لم يكن مجرد ممثل، بل ركنٌ أساسي في مسيرة الفن اللبناني.
محطات مضيئة في مسيرته الفنية
كانت الخشبة بيته الأول، والمسرح شغفه الكبير. وقف إلى جانب الأخوين رحباني، وأبدع في أعمالٍ أصبحت أيقونات في تاريخ المسرح اللبناني.
برز في “بياع الخواتم”، “المحطة”، “يعيش يعيش”، و”هالة والملك” و"صيف ٨٤٠"، حيث قدّم أدوارًا أسطورية جعلته واحدًا من أبرع الممثلين الذين مرّوا على المسرح اللبناني.
تألقه لم يتوقف عند المسرح فحسب، بل امتد إلى الشاشة الصغيرة، حيث قدّم شخصيات خالدة في أعمال درامية بارزة.
كان دوره في مسلسل “البؤساء” واحدًا من أعظم ما قدّمه، حين جسّد شخصية جان فالجان بأسلوب جعل المشاهد يصدّق أنه خرج من صفحات رواية فيكتور هوغو مباشرة.
كما لمع في مسلسل “ديالا” مع هند أبي اللمع، وساهم في العديد من المسلسلات اللبنانية والسورية التي أضافت إلى مسيرته تألقًا خاصًا رفعه الى رتبة "مخضرم".
أما السينما، فكانت محطة أقل حضورًا في رحلته، لكنها لم تكن غائبة تمامًا، إذ شارك في بعض الأفلام التي أظهرت موهبته الفريدة.
نهاية صامتة لمسيرة عظيمة
مع تقدّمه في العمر، بدأ أنطوان كرباج يبتعد تدريجيًا عن الساحة الفنية. لم يكن ابتعاده قرارًا بقدر ما كان انسحابًا فرضته الحياة والمرض.
أصيب بمرض الألزهايمر، فابتعد عن الأضواء، وغاب عن جمهوره الذي اعتاد رؤيته قويًا، حاضرًا ومبدع.
وفي ١٦ اذار ٢٠٢٥، رحل أنطوان كرباج عن عمر ٨٩ عامًا، تاركًا وراءه إرثًا فنيًا لا يُقدّر بثمن.
غادر بهدوء كما عاش في سنواته الأخيرة، لكنه سيبقى حاضرًا في وجدان كل من أحب المسرح والفنّ النقي.
وداعًا أيها الكبير
أنطوان كرباج لم يكن مجرد ممثل، بل كان مدرسة في الأداء، وأيقونة لن تتكرر.
برحيله، يفتقد الفن اللبناني والعربي رجلًا عاش للفن، وأعطاه من روحه وموهبته، لكنه يترك خلفه إرثًا سيبقى حيًا، تمامًا كما كانت شخصياته، وكما كان هو… خالدًا في ذاكرة المسرح والدراما وفي قلوب كلّ المشاهدين.