
Citizenship
في بلد أُرهق من تكرار الجرائم الجنسية وتراخي المحاسبة، أصدر القضاء اللبناني هذا الأسبوع واحدًا من أقسى وأشجع الأحكام في تاريخه الحديث: ١١٢ عامًا من الأشغال الشاقة بحق والد ارتكب ما لا يمكن تصوره، حين تحوّل إلى “وحش بشري” وانتهك بناته الأربع القاصرات على مدى سبع سنوات، بمشاركة ومعرفة الأم التي نالت الحكم ذاته.
هذه الجريمة ليست فقط خرقًا لكل معايير الإنسانية، بل تمثّل قمة الانحطاط الأخلاقي والاجتماعي. ما حصل داخل هذا “المنزل” لا يشبه العائلة، ولا الأبوة، ولا الأمومة. إنه نموذج صريح لما يمكن أن يحدث عندما يغيب الردع الحقيقي.
لكن هذه المرة، جاء الردّ مدوّيًا من قاضي محكمة الجنايات في لبنان الشمالي، الذي أصدر حكمًا حاسمًا يعيد الاعتبار لحقوق الضحايا، ويؤكد أن العدالة، حين تقرّر أن تقول كلمتها، يمكنها أن تزلزل الأرض تحت أقدام المجرمين.
نُثني على جرأة هذا القرار، وعلى شجاعة القاضي الذي لم يتردد في استخدام أقصى ما يتيحه له القانون، فكان الصوت العالي الذي قال: "لا تساهل مع من يغتصب الطفولة، لا رحمة مع من يخون أقدس الروابط، ولا مفرّ من الحساب مهما طال الزمن".
اليوم، نتمسّك بالأمل بأن يكون هذا الحكم نقطة تحوّل في مسار العدالة اللبنانية، ونطالب بأن يُعمّم هذا المستوى من الحزم في كل قضايا التحرّش، والاعتداء الجنسي، والعنف الأسري.
الردع الحقيقي يبدأ من القضاء.
والمجتمع الأفضل لا يُبنى إلا على عدالة لا تساوم، وعلى محاسبة لا ترحم المجرمين.